تأثيرالمشاكل النفسية في مرحلة الطفولة وعلاجها

أظهرت نتائج دراسة استغرقت خمسين عاماً على سكان بريطانيا، أن المشاكل النفسية التي يعاني منها الفرد خلال مرحلة الطفولة يمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد على حياته فيما بعد.

فقد اكتشف الباحثون أن مشاكل الطفولة تؤدي إلى انخفاض دخله المادي من جهة، وتقلل من قدرته على إقامة علاقات سوية طويلة الأمد.
وقد تتبع العلماء مجموعة كبيرة من السكان لخمسة عقود، منذ الأسبوع الأول لولادتهم. وخلال هذه الفترة، وجد الباحثون أن دخل الأسرة في عمر الخمسين للأشخاص الذين عانوا من مشاكل نفسية خطيرة في مرحلة الطفولة اقل بربع من متوسط الدخل للأشخاص الذين لم يواجهوا مثل هذه المشاكل.
وبالإضافة إلى ذلك، أثرت مشاكل الطفولة النفسية في وقت لاحق من الحياة على الفرد بانعدام وجود الضمير، واحتمال ضعيف بالزواج، ووجود علاقات شخصية غير مستقرة، ووفقا للنتائج التي نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم يقول د. جيمس سميث احد الباحثين “إن هذه النتائج تثبت أن المشاكل النفسية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على حياة الشخص أكثر بكثير من مشاكل الصحة البدنية في الطفولة”، ويتابع قائلا “تشير النتائج إلى أن زيادة الجهود المبذولة لمعالجة هذه المشاكل النفسية في وقت مبكر من مرحلة الطفولة يكون له نتائج ايجابية على الوضع الاقتصادي في المستقبل”.
وقد وجد الباحثون أن هناك فارقاً كبيراً بين مستويات الدخل بين الذين يعانون من مشاكل الطفولة النفسية، مقابل الذين يعانون من مشاكل الطفولة الصحية. بينما انخفض الدخل في سن الخمسين بنسبة 25% أو أكثر بسبب مشاكل الطفولة النفسية، بينما انخفض الدخل فقط 9% بسبب مشاكل الطفولة الصحية البدنية الخطيرة، وبنسبة 3% فقط بسبب مشاكل صحية جسدية بسيطة.
ويقول الباحثون “إن السبب الرئيسي لتلك النتائج ناتج عن مشاكل الصحة العقلية في مرحلة الطفولة التي تستمر حتى وقت لاحق من الحياة”.

وتعزز دراسة أمريكية أخرى تلك النتائج، حيث أشارت إلى أن المشاكل النفسية في مرحلة الطفولة كان لها أثر كبير على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد البالغ فيما بعد، والذي تصل كلفته إلى 2.1 تريليون دولار على مدى العمر لجميع المتضررين الأمريكيين.

وقد أجرت هذه الدراسة الجمعية الوطنية لتنمية الطفل في بريطانيا عن طريق تحليل المعلومات التي تم جمعها كجزء من الدراسة، والتي تتبعت حياة مجموعة من 17634 طفلا ولدوا في بريطانيا خلال الأسبوع الأول من آذار / مارس عام 1958.
وقد تم جمع المعلومات عن المجموعة دورياً، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية عن الصحة الجسدية والنفسية في مرحلة الطفولة من خلال الامتحانات التي يعقدها طبيب، واستخدمت استبانات موسعة لعائلات المشاركين بالإضافة إلى تقارير المدرسين. وتتضمن الدراسة معلومات مفصلة عن آباء المشاركين، بما في ذلك التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية، والظروف العائلية مثل ما إذا كان هناك عدم استقرار في الأسرة.

ووجد الباحثون أن التأثير السلبي للمشاكل الاقتصادية في مرحلة الطفولة النفسية كانت واضحة في وقت مبكر من مرحلة البلوغ،حيث كان دخل الأسرة في عمر 23 اقل 19% عند الذين يعانون من مشاكل نفسية الطفل بالمقارنة مع أولئك الذين لم يعانوا من تلك المشاكل.

كما أظهرت النتائج أن الأشخاص في سن الخمسين، الذين كان لديهم مشاكل نفسية في الطفولة احتمال 6% اقل في الزواج، وفرصة11% اقل في العمل من الأشخاص العاديين.

كما تضمنت الدراسة تقييماً لأداء المشاركين المعرفي، وسماتهم الشخصية في سن الخمسين، مما يسمح للباحثين لتقدير تأثير مشاكل الطفولة النفسية في المناطق التي أجريت فيها الدراسة.
وقد أظهرت الدراسة أن الأفراد الذين يعانون من مشكلات في الصحة النفسية يعانون من انخفاض القدرات المعرفية كبالغين، ربما لأن مشاكلهم النفسية تجعل من الصعب عليهم التركيز والتذكر، كما يقول الباحثون.

وللصحة العقلية أثناء الطفولة أيضا اثر سلبي عند سن الخمسين على التناغم والتراحم الاجتماعيين، وهما مقياسان رئيسيان للشخصية السوية.
كما وجد الباحثون أيضا أن لمشاكل الصحة النفسية في الطفولة آثار بالغة على التفاعل الاجتماعي للإنسان عبر الأجيال المتعاقبة، كما قلصت عدد فرص العمل المستمرة والمتنوعة التي مارسها الشخص خلال حياته، ويعتبر ذلك أمر مهم لأنه يمثل إحدى الطرق التي يلجأ إليها الناس لزيادة دخلهم بتغيير أعمالهم ووظائفهم، والتوجه نحو فرص أفضل.